كايب تاون... رحلة في عالم جنوب أفريقيا الملوّن .

الطريق إلى متنزّه كروغر

تبدأ مغامرة السفاري في متنزه كروغر حيث تلاحق الأسود وتلتقط صورا لها، ولكن في الطقس الربيعي الذي يرطبه المطر لا تخرج الحيوانات من جحورها، وتريد فقط الاستراحة والاسترخاء بعيدًا عن فلاشات الكاميرا.

قطيع الغزلان والبوفالو يسرح في هذا المتنزه الرحب الذي تبلغ مساحته الإجمالية حوال 23 ألف كيلومتر مربع والذي يضم فنادق عدة من بينها تينغا المؤلف من تسعة عشر جناحًا ولا يوجد في الأجنحة تلفزيونات، والسبب أن الهدف من النزول في هذا الفندق هو الراحة والاسترخاء، ولكن يمكن للنزيل الاستفادة من خدمة الإنترنت الموجودة في صالة المكتبة الموجودة في الفندق.

يستقبلك صباح كايب تاون بزخات من المطر الربيعي ترافقه نسمات باردة وكأن المدينة ترفض أن تودّع الشتاء. أحيانًا يجعلك اختلاف توقيت الفصول بين قارة وأخرى في حيرة من أمر الطبيعة فبينما الثلج يغطي أوروبا وأميركا الشمالية وبعض بلدان القارة الآسيوية في شهر كانون الأوّل/ ديسمبر فإن الربيع يزهر في جنوب أفريقيا ورأس السنة الميلادية دافئ .

بمحاذة شاطئ كايب تاون تجد منطقة واتر بوينت حيث المشاهد الرائعة تتوالى فتحتار الكاميرا ماذا تلتقط... الرمال البيضاء تخترقها زرقة المحيط الأطلسي وألسنة الجبال الخضراء تبدو كأنها سفن راسية منذ آلاف السنين تبادل المحيط أسرارها، فيما البيوت القرميدية المندسة بين أحراج الصنوبر الصغيرة عكست جمال الشاطئ وأناقته.

ستجد هناك نقطة رأس الرجاء الصالح حيث يجتمع المحيطان الأطلسي والهندي اللذان لا تفصلهما حدود جغرافية بل يلتقيان عند هذه النقطة غير آبهَين بمفاهيم الجغرافيا السياسية .


الجنوب أفريقيين

يلفتك في الجنوب أفريقيين ذوي الأصول الإنكليزية أو الإيرلندية كرمهم وطريقة استقبالهم، فكأنما طبيعة البلاد أثرت في سلوكهم.

روبين آيلند، جزيرة الحرية التي مكث 27 عامًا بين قضبان سجنها نلسون مانديلا قائد جنوب أفريقا الحديثة .



المعتقل

الدخول إلى المعتقل فيه رهبة، أرتال من الزوار يبحرون إلى هذه الجزيرة لينتقلوا بين أسوار سجن أمعن أسياده في تصنيف البشر عنصريًا .

جولة في أرجاء الجزيرة التي كان ينفى إليها المجرمون والمعتقلون السياسيون والمصابون بمرض النقرس والأمراض العقلية. تستغرب كيف أن هذه الجزيرة أصبحت معلمًا سياحيًا وتراثًا إنسانيًا .

تستوقفك الزنزانة التي احتُجز فيها مانديلا بحجمها ونافذتها المرتفعة الصغيرة التي تتسرب من بين قضبانها الشمس بحياء وفرشتها الرقيقة جدًا. ترتسم على وجوه الحاضرين الدهشة المختلطة بالحزن ، و رغم اختلاف ألوان بشرتهم يتفاعلون مع روايات المرشد بمشاعر إنسانية مجردة...
يلفتك فخر سكان البلاد بتاريخ مناضليهم، واستغراب الزوار الغربيين عنصرية أجدادهم ولا إنسانيتهم .

هناك في المعتقل محطات عدة من بينها الحقل الذي كان المعتقلون يمضون يومهم في تكسير الصخر فيه والذي توجد فيه مغارة صغيرة كان مانديلا يلقن فيها تلامذته من المعتقلين معاني الحرية والتسامح وسماها جامعة الحياة .
ولا تزال مقولته الشهيرة
(Each one teaches one ) محفورة في ذاكرة الجنوب أفريقيين على اختلافهم أصولهم الإثنية .


عند مغادرة كايب تاون تودع المشاهد الأخيرة لحركة إنسانية لا تكترث للون البشرة أو العرق أو الدين، فالكل عند الصباح منهمك في الذهاب إلى عمله، والوجوه تعكس روح التسامح والتصالح مع الذات والديموقراطية التي رسخها مانديلا عندما ترأس البلاد .
رحلة واحدة لا تكفي لتغوص في أسرار المدينة وألغازها، وإنما لتتعرف إلى أحد وجوهها وتسكن في ذاكرتك صوراً لعالم أفريقي تصالحت فيه النفوس قبل النصوص .