الاستعداد لرمضان
اعداد الشيخ /احمد طلبه حسين
الحمد لله واسع الفضل والإحسان ، الكريم المنان ، العليم الذي يعلم ما يخفى في الجنان ، وما تكنه الخواطر والأذهان ، سبحانه من إله ؛ غني ، سمت نعمته إلى كل حي ، رحيم ، وسعت رحمته كل شيءٍ ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أي مكان . سبحانه ، دائم الملك والسلطان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله إلى الإنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والجود والوفاء والإحسان ، وسلم تسليما كثيرا .
اخوتاه .. اتقوا الله ، فقد قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { فاتقوا الله جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة
في هذه الأيام ، يستعد المسلمون ، لاستقبال شهر رمضان المبارك والنبي ، كان يفرح بقدوم شهر رمضان ، ويسأل الله ، قبله بشهرين ، أن يمد في عمره ليبلغه إياه ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ،عن أنس بن مالك ، أنه ؛ كان إذا دخل رجب قال : (( اللهم بارك لنا في رجب ، وشعبان ، وبلغنا رمضان )) .
فالنبي ، يسأل الله أن يبلغه رمضان ، لأن شهر رمضان ، ليس كغيره من شهور العام ، ولا مثله في شهور السنة على الإطلاق .
فرمضان ـ أيها الأخوة ـ موسم عظيم ، ومناسبة مفيدة جدا ، لفعل الطاعة والعبادة ، والتقرب إلى الله سبحانه ، والبعد عن الذنوب والمعاصي ، فينبغي للمسلم أن يعد لهذا الشهر عدته ، ويحمد الله سبحانه ، أن أمد في عمره حتى بقي إلى هذه الأيام ، ويستعد له ، استعداد المؤمنين ، الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة ، وكما قال النبي في الحديث الصحيح : (( إنما الأعمال بالنيات )) .
فالله يعامل المسلم على حسب نيته ، فيبلغ المسلم بنيته الصادقة مالم يبلغه في عمله ، كما قال: } وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { يقول ابن سعدي في تفسيره : } فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ { أي : فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى ، وذلك لأنه نوى وجزم ، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل ، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملا ولو لم يكملوا العمل ، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها .
أيها الأخوة المؤمنون
فالنية في هذه الأيام ، ونحن نستقبل شهر رمضان ، مهمة للغاية ، فيجب عليك ـ أخي المسلم ـ أن تراجع حساباتك مع نيتك ، اسأل نفسك ، وأنت تستقبل هذا الشهر العظيم ، ماذا خططت له ، وما هو الهدف الحقيقي لها ، الذي سوف تخرج به من شهر رمضان ؟
إننا نرى ـ أيها الأخوة ـ من يستعد لهذا الشهر ، بأمور لا تتناسب أبدا ، ولا تليق بشهر كرمضان ، إنما من شأنها سرقة رمضان ، وحرمان المسلم ، من استغلاله والاستفادة منه .
النبي يسأل ربه ، أن يبلغه رمضان قبله بشهرين ، هلا سأل أحدنا نفسه ، لماذا النبي يفعل ذلك ؟ وماهو هدفه من سؤاله ؟
{ هل يريد بسؤاله أن يبلغه رمضان ، لمتابعة المسلسلات الهابطة ، والبرامج الساقطة ، أو للتمتع باللهو واللعب ، و التفنن بما لذ وطاب من أنواع المآكل والمشارب ؟ } اسأل نفسك أخي ؟ كلا ـ والله ! إنما سؤاله لاستغلاله بطاعة الله . ..اللهم بلغنا رمضان ! من أجل ماذا ؟ لنسهر الليل وننام النهار ! ونعمر الملاعب ونهجر المساجد ، ونتابع الأفلام والمسلسلات ، ونترك تلاوة كتاب الله ، ونقضي على وقت نحن بحاجته ، ونستطيع من خلاله أن نبلغ أعلى منازل الجنة بإذن الله تعالى !
فالمسلم يجب أن يترفع بنفسه ، عن سفاسف الأمور ، ويوطن نفسه لمعالي الأخلاق ، ولا ينقاد خلف الذين لا هم لهم إلا نهب الأموال ، والقضاء على الأوقات ، واللهو واللعب ، الذين قد يقع بحق بعضهم قول الله تعالى : } فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ {
فالاستعداد لشهر رمضان ، لا يكون باللهو واللعب ، والغفلة الخطيرة ، التي أودت في مستقبل كثير من الناس ، إنما يكون بالنية الصادقة ، والعزيمة الجادة ، لاستغلال هذا الشهر ، بالعبادة والطاعة ، وما يقرب من الله وما يكون وسيلة لرفع الدرجات ، وتبديل السيئات بإذن الله تعالى .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنعقد النية من الآن ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، عن سهل بن حنيف t يقول النبي : (( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق ، بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه )) .
اخوتاه
خير ما يستقبل به رمضان ، العزم على ترك الذنوب والآثام ، والتوبة من السيئات ، وهو فرصة للتخلص من العادات السيئة ، والأخلاق الرذيلة ، وتعويد النفس على ما يحبه الله ويرضاه ، فرمضان شهر التوبة ، ومن لم يتب فيه فمتى يتوب .
نعم ـ أخوتي في الله ـ شهر رمضان فرصة للتعود على صلاة الجماعة ، وتلاوة القرآن ، وفرصة للتخلص من التدخين ، فرصة لتنظيم الوقت ، فرصة للإحساس بالحاجة للطعام والشراب ، وإدراك معاناة الفقراء والمساكين ، وغير ذلك من الأعمال التي باستطاعة المرء التعود عليها فعلا وتركا في شهر رمضان .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنحرص على التخطيط لاستغلال شهر رمضان ، فإن كان الناجحون في الأعمال الدنيوية ، يحرصون على أخذ دورات ، تحفزهم على أعمالهم وتجدد معلوماتهم ، فهاهو شهر رمضان خير محفز ومعود لأعمال الآخرة .
ولنحذر ـ أيها الأخوة ـ الاستعداد لرمضان بما يستعد به الغافلون ، الذين يصدق علي بعضهم قول الله تعالى : } يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ { .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، اللهم بلغنا رمضان ، واجعلنا فيه من الفائزين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم وفقنا لهداك ، واجعل عملنا في رضاك ، وامنن علينا بفضلك وجودك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم طهر قلوبنا ، وحصن فروجنا ، واحفظ أعراضنا ودماءنا وأموالنا ، وارحم اللهم موتانا ، واشف مرضانا ، واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم اجعل بلاد المسلمين هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم من أرادنا بسوء ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .