العام الهجري الجديد ومحاسبة النفس
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اعداد الشيخ / احمد طلبه حسين
ها هو عام هجري قد مضى
ما أسرع انقضاء العام الهجري بأيامه وشهوره!!، كيف مضى بهذه السرعة؟!، كنا بالأمس نستقبله واليوم نودعه، هل ذهبت بركة الأوقات فلم نشعر بها؟!.
مضى عامٌ كاملٌ من أعمارنا، وانسلخ بثوانيه ودقائقه، وساعاته وأيامه، مضى وكأنه شهرٌ واحدٌ، مضى بحلوه ومره، بأفراحه وأحزانه، بسروره وهمومه، وبما فيه من اللذائذ والآلام، عبثَ فيه العابثون، وتلذذ فيه بالشهوات اللاهون، وأجاد فيه الصالحون، وأخلص فيه العاملون، فسوف يرى كلٌّ بضاعتَه يوم التناد، قال- تعالى-: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (النجم
.. لقد نبض قلبُك في العام نحو 40 مليون نبضة بانتظامٍ لا مثيلَ له ودقةٍ متناهية، كما شهقت فيه نحو 11 مليون شهقة وزفرت مثلها، كل ذلك خلال أكثر من 500 ألف دقيقة هي مجموع عامك، ولله دَرُّ القائل:
دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قَائِلَةٌ لَهَ إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَاني
السؤال الأول
كيف نحاسب أنفسنا
أولاً:
على الفرائض، فإن رأى فيها نقصاً تداركه إما بقضاء أو إصلاح.
ثانياً:
ثم يحاسبها على المناهي؛ فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
ثالثاً:
ثم يحاسب نفسه على الغفلة؛ فإن كان قد غفل عما خُلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله.
رابعاً:
ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه ماذا أرادت بهذا ؟
ولمن فعلته ؟".
خامساً:
ثم يحاسب نفسه، كيف علاقته بالآخرين واهتمامه بشؤونهم ومشياً في حاجتهم؟
سادساً:
ثم كيف هو حال نشاطه الدعوي ودوره الحركي في مجتمعه وأمته؟
فالبدار، البدار أيها الإخوة الكرام لتنمية ما حسن وإصلاح ما فسد وتقويم ما اعوج.
من هنا نبدأ
اخوتى اخواتى ... مع نهاية مطاف العام، وقبل نهاية الآجال، وأنت تدخل من بوابة العام الهجري الجديد المُشرَعة أمامك، وأنت تخطو أولى خطواتك؛ لتبدأ بفتح صفحةٍ جديدةٍ في حياتك مع أول يومٍ فيه، ولتكن صفحةً بيضاءَ نقيةً، صفحةً بدايتُها التوبةُ إلى الله، وشعارُها الدعوةُ إلى الله، ومضمونُها حبُّ الخير للناس
فالحمد لله الذي جعل للأمة الإسلامية حساباً بسيطاً ميسراً لتجعل لنفسها وجوداً وكياناً مُسْتَقِلِّين، مُستَمدِّين من روح ديننا الإسلامي الحنيف ، لتكون متميزة عن غيرها في كل ما ينبغي أن تتميز به من أخلاق، وآداب، ومعاملات، وشعائر؛ لتبقى بارزة مرموقة ، لا تابعة لغيرها في تقليد أعمى ، لا يجرُّ لها نفعاً ، ولا يدفع عنها ضرراً ، بل يظهرها بمظهر الضعف والهوان والتبعيّة .
وهذا ما جرى عليه المسلمون وعملوا به، واعتبروا ما اعتمده فقهاءهم من تاريخٍ هجري مرجعاً لحساب آجال الديون والعقود، والعدة، والكفارات، وأوقات الأذكار والعبادات من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج وغيره.
حريٌ بالمسلم مع بداية العام الهجري الجديد أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة سريعة ومراجعة دقيقة. وفي تلك الوقفة طريق نجاة وسبيل هداية، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفطن من ألزم نفسه طريق الخير وخطمها بخطام الشرع.
والإنسان لا يخلو من حالين، فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مقصراً ندم وتاب قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر - قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ( أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم
وقد أجمل ابن قيم الجوزية طريقة محاسبة النفس وكيفيتها فقال: ( جماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسب نفسه على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله ).
فبادر أخي المسلم مع فجر هذا العام الجديد بالتوبة والإقبال على الله فإن صحائفك أمامك بيضاء لم يكتب بعد فيها شيء. فالله الله أن تسودها بالذنوب والمعاصي. وحاسب نفسك قبل أن تحاسب وأكثر من ذكر الله عز وجل والاستغفار واحرص علي رفقة صالحة تدلك على الخير. جعل الله هذا العام عام خير على الإسلام والمسلمين وأطال أعمارنا ومد آجالنا في حسن طاعته والبعد عن معصيته وجعلنا ممن يتبوأ من الجنة غرفاً تجرى من تحتها الأنهار.
اخوتاه …من عادة التجار أن يقوموا في نهاية العام بجرد حساباتهم. وفي نهاية هذا العام…أدعو نفسي وإياكم إلى وقفة محاسبة…
فإن وجدنا في أعمالنا خيرا، حمدنا الله تعالى وطلبنا منه المزيد من التوفيق إلى فعل الخير.
وإن وجدنا غير ذلك تبنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعاهدناه على أن يكون عامنا الذي نستقبله خيرا من عامنا الذي نودعه.
أخي/ أختي
العمر ليس ألعوبة بين يديك…بل هو فرصة، لأن تتقرب فيه إلى الله عز وجل وتتزود لآخرتك، قال الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي ابنَ آدم: أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود منى فإني لا أعود إلى يوم القيامة...
دورة من أدوار الفلك انصرمت، وعام من أعوام حياتنا انقضى ومضى، وهكذا الدنيا.. ما هذه الدنيا إلا أحلام نائم وخيال زائل.
فالعاقل من اتخذها مزرعة للآخرة، وجعلها قنطرة عبور للحياة الباقية. فها هو ذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يستقبل محرابه قابضاً على لحيته وقد أرخى الليل ستوره، وغارت نجومه، يتململ تململ العليل، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا إليَّ تعرضتِ، أم إليَّ تشوفتِ؟ قد باينتكِ - طلقتك - ثلاثا لا رجعة لي فيكِ، فعمركِ قصير، وشأنكِ حقير، وخطركِ كبير، آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ومشقة الطريق.
نعم لقد انتهى العام الهجرى وانقصى وذهب الى ربه ، يحمل صحائف أعمالنا، وبعد قليل تختم أيامه.
السؤال الثانى
يا ترى هل حاسبنا أنفسنا، وندمنا على ما مضى وتبنا إلى الله، هل عاهدنا الله أن نكون في العام المقبل خيرا من العام المدبر، لا أطيل عليكم فهذه طائفة من الحكم والدرر أضعها بين أيديكم عساها تنفعني وتنفعكم:
كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يقولون: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون، ومن لم يتفقد الزيادة في عمله فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له.
اسمع إلى هذا النداء:
يا
أبناء العشرين! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟!
ويا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟
ويا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!!
ويا أبناء الخمسين! تنصفتم المائة وما أنصفتم!!
ويا أبناء الستين! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون؟ لقد أسرفتم!!
ويا أبناء السبعين! ماذا قدمتم وماذا أخرتم!!
يا أبناء الثمانين! لا عذر لكم.
ليت الخلق إذ خلقوا عملوا لما خلقوا وتجالسوا بينهم فتذكروا ما عملوا، ألا أتتكم الساعة فخذوا حذركم، فيا من كل ما طال عمره زاد ذنبه، يا من كلما أبيض شعره بمرور الأيام، اسود بالآثام قلبه.
قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل!!
وقال أبو الدرداء: إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
من عرف حق الوقت، فقد أدرك قيمة الحياة، فالوقت هو الحياة، وحينما ينقضي عام من حياتنا، ويدخل عام جديد، فإنه لا بد وقفة محاسبة طويلة.
نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل من قبل أن تأتي ساعة الحساب.
لا بد من وقفة محاسبة: نندم فيها على ما ارتكبنا من أخطاء.
لا بد من وقفة محاسبة: نستقبل فيها العثرات.
لا بد من وقفة محاسبة: ننهض فيها ونستدرك ما فات.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وكتب سيدنا عمر رضي الله عنه إلى بعض عماله في الأمصار: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة".
وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيًّا، حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول: "المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة "