قالت احداهما قابلت صديقتي التي عادت لتوها من رحلة حضرت خلالها ولادة ابنتها لأول الأحفاد، فبادرتُها بالتهنئة وقلت لها: مبارك دخولك عالم الجدات، كيف وجدت قولهم "ما أعز من الولد إلا ولد الولد" قالت: بسعادة غامرة إنه عالم رائع.. فعندما ينتقل دورك من أم إلى جدة يتغير الوصف الوظيفي لمهمتك فلا يعود هدفك الرئيس هو رعاية الطفل ولكن تقديم الحب والاستمتاع بمشاعر الأمومة دون عنائها، ولذا فإني أرى أن هذا القول صحيح إلى حد بعيد وتفسيري للمعزة الإضافية أنها أمومة خالصة وخالية من عناء الولادة وآلامها و من أعباء ومسؤوليات التربية اليومية.
توقفت لأتساءل ما دور الجد والجدة في حياة الأحفاد؟ يضيف وجود الجدان أبعادا تربوية وأجواء عاطفية تثري حياة الأحفاد وتعين الأبوين في مهمتهما وتخفف عنهما كثيرا من الأعباء التربوية، وتتمتع الجدات بالحضن الدافئ والخبرة مما يجعلهن خير عون في الاستشارات الصحية والتربوية التي تحار فيها الأمهات الصغيرات. ومن جهة أخرى يضيف الأحفاد إلى الأجداد رؤية جديدة للعالم من خلال العيون الصغيرة المستكشفة وفرصا للتجديد والانتعاش النفسي. حتى لو لم يكن الجد أو الجدة مقيما في البيت أو قريبا من مكان الإقامة، فبالإمكان الإبقاء على قوة العلاقة بالأبناء عن طريق وسائل الاتصال المختلفة.
في عصرنا الحالي اختلفت صورة الجد والجدة ولم تعد الصورة التقليدية كما تظهرها القصص والصور القديمة رجل أو امرأة مسنة مقيمة مع الأسرة ومتفرغة للحكايات والقصص، الجد أو الجدة اليوم ينشغل معظمهم في مهن وأعمال أو نشاطات تجارية أو اجتماعية، يجلس معظمهم خلف شاشات الكمبيوتر ويتواصلون بالوسائل الالكترونية المختلفة، ومن ثم فقد اختلفت الظروف التي يمكن من خلالها تحديد دور الجد أو الجدة في حياة الأبناء-أو رغبتهما في ذلك- وفقا لأعمارهما ومستوى التعليم والمهنة والالتزامات الاجتماعية، ولذا فمن المهم تهيئة الفرص لتقوية العلاقة بالجد أو الجدة على اختلاف الظروف التي يعيشونها لكي لا يحرم الأبناء من فرصة الاستفادة عاطفيا وتربويا من خبرة الجدين وحكمتهما، ولكي لا يحرم الجدين من فرصة معايشة الصغار وما تبعثه في النفوس مشاعر البهجة والسرور التي يحتاجانها لتخفف من ضغوط الحياة، ولكي يبقى شعور من كان كبير السن منهما بأنه لا يزال ملء السمع والبصر يرجع إليه الكبار والصغار،
ومن أبرز الأمور التي تعين على تقوية الارتباط بالجدين:
الحرص على استشارتهما باستمرار في الأمور الصحية أو التربوية، حتى وإن بدت أمورا بسيطة، فهي تدل على الارتباط والحاجة فمثلا عندما يكون لدى الابنة حفل ملابس الشعوب يمكن استشارة الجدة عن رأيها في الزي الذي يمكن أن تلبسه الابنة. تعويد الأبناء على دوام الصلة بهما إن لم يكونا مقيمين في البيت وإعطائهم الفرصة في الاتصالات الهاتفية وتوجيههم للتعبير عن الحب، كتابة بطاقات، إرسال رسائل نصية وصور. وعرض خدماتهم لتقديم أي مساعدة. مشاركة الأحفاد في أنشطة محببة أو هوايات مشتركة؛ فهناك من يفضل أن يزوره الأحفاد في نهاية الأسبوع لممارسة رياضة السباحة معا، ومنهم من يفضل اصطحابهم في نزهة، ومن الجميل تعليم الأبناء بعض المهارات التي يحسنها الجد أو الجد، كالرسم، أو الخط أو الأعمال الفنية أو العناية بالحديقة أو شغل السنارة والصوف ويمكن اقتراح ذلك كأن نقول مثلا: " زينة أحضرت سنارة كروشيه لتتعلم من جدتها هذه المهارة " أو ممارسة الألعاب الجماعية التراثية، فالمشاركة في الاهتمامات والأنشطة من الأمور المهمة في تقوية العلاقات وتكوين ذكريات جميلة مشتركة، فلازلت أذكر ذلك اليوم الذي شاركتنا فيه جدتي رحمها الله لعبة "نط الحبل"، ضحكنا كثيرا وصفقنا لها بسعادة غامرة، وما أجمل الأوقات التي تقضيها والدتي الحبيبة مع الأحفاد في تحدي قدراتهم بألعاب التخطيط، هذه الأنشطة المختلفة يتعلم منها الأبناء كثير من القيم والمهارات الاجتماعية، كما يمكن أن يكون للجد أو الجدة دور مهم في مرحلة المراهقة حين يبحث المراهق عن حضن محايد يأوي إليه فيجد الإصغاء والتخفيف - وهو ما يحتاج إليه كثيرا- ويجد التوجيه الأبوي عندما يكون منغلقا نفسيا عن سماعه من الأبوين .
ولكي يتم استثمار دور الجد أو الجدة في حياة الأسرة على خير وجه يفضل الاتفاق على ما يلي:
التعرف على الدور الذي يريد الجد أو الجدة أن يلعبه في حياة الأحفاد والقدر الذي يطيقه من ذلك، زيارات، رحلات، مبيت في إجازة نهاية الأسبوع أو غير ذلك بحسب العمر والحالة الصحية والمزاجية؛ فكثيرا ما يعتمد الأبوين على الجدين لدرجة الإثقال عليهما مما يؤدي إلى انسحابهما وشعورهما بالضيق والانزعاج وقد لا يفصحان عن ذلك ويحتملان على مضض. اتساق الطريقة التربوية والقوانين المطبقة على السلوكيات الخاطئة التي تصدر من الأبناء والحذر من فرط التدليل وخاصة في حالات اللقاءات اليومية أو الإقامة المستمرة مع الجدين. حتى لا يتعرض الأبناء لتربية مذبذبة. الاتفاق بشأن شراء الهدايا: من الأمور الممتعة للكثير من الجدات شراء الهدايا والحلوى وإغداقها على الأحفاد مما له انعكاسات صحية وتربوية سيئة ولذا لابد من الاتفاق على نوعية الهدايا والحلوى ومقدارها مع مراعاة مشاعر الجدة أو الجد وطلب تعاونهما في الحفاظ على صحة وسلوك الأبناء. والتأكيد على البساطة فقد يغدق الجدين على أوائل الأحفاد من الهدايا الثمينة ما لا يتمكنان من فعله مع من يأتي بعدهم مما يثير الغيرة بين الأحفاد.
وأخيرا فإن المحافظة على لقاءات الأسرة في هذا الزمن وارتباط الأحفاد بالجد أو الجدة والأهل بشكل عام أصبح تحديا لا بد للأبوين أن يخوضاه، فقد استحوذت الإلكترونيات بأنواعها على اهتمام الأطفال والشباب حتى لا تكاد ترى أحدهم في الزيارات أو الاجتماعات إلا وهو يداعب شاشته منشغلا بها عمن حوله. ولعل أول خطوة ضرورية في هذا الصدد هي وضع ضوابط على الأوقات التي يقضيها الأبناء أمام الشاشات والحرص على الزيارات والاجتماعات العائلية وأن لا يصطحب فيها أي نوع من الألعاب الإلكترونية ليفتح المجال أمام التواصل الاجتماعي وأمام كبار الأسرة ليعطوا من خبرتهم وحكمتهم.