آنآ ممن : جـنـسـي : مـشـاركـاتـي : 397مزآجي ككيف ؟ : مـشـروبـي الـفـضـل : احترام قوانين المنتدى :
موضوع: وسواس .. ؟؟ 2012-12-08, 19:40
وسواس .. ؟؟
وسواس :
دخل من عمله بعد يوم حافل بالتعب والإرهاق، فوجد البيت لا حِسّ فيه ولا أنس.. كلّ شيء فيه كما يعرفه، لا يدعو إلى شكّ أو ريبة.. ولكن أين زوجته أمّ عصام؟ وأين طفله عصام؟ لا أثر لهما، ولا خبر.. وطاف أرجاء البيت، وفتّش أركانه، وصعِد إلى السطح، ونادى في كلّ مكان بأعلى صوته.. واختلط صوته بنبرة حزن ظاهرة.. لابدّ أنّ أمراً مكروهاً حدث لهما.. ترى ما الخبر؟! وطرق باب الجيران المخاورين الذين كانوا على صلة بزوجته وصداقة.. فلم يكن عندهم أيّ خبر.. وازدادت ريبته وقلقه.. وأخذت تتصاعد في نفسه مشاعر الغضب على زوجته.. كيف خرجت من البيت بغير إذني؟ ألم تعلم أنّني لا أسمح لها بذلك بحال من الأحوال؟ لقد أصبحت تتعلّم من أولئك المتمرّدات.. إنّها المخالطة المفسدة، والمسلسلات التلفازيّة المخرّبة.. وشياطين الإنس والجنّ.. فماذا عسانا أن نكون؟! واشتعلت نار الغضب في نفسه أكثر.. واحمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه.. وبركان الغضب يغلي في نفسه، ويكاد يفجّره من داخله..
وبرقت في نفسه بارقة خير: هوّن عليك يا رجل! إنّك لم تعهد من أمّ عصام إلاّ كلّ خير وبرّ.. دع عنك هذه الوساوس.. لعلّ زوجتك أو ابنك قد أصابهم أيّ مكروه.. وأنت تسيء الظنّ بهذه الصورة..
وفكّر مرّة أخرى أن يتّصل بالمستشفيات التي يمكن أن تذهب إليها زوجته.. وأمسك الهاتف فوجده فاقد الحرارة.. ما الذي قطع خطّ الهاتف؟! لقد خرجت من البيت وهو موصول .! وازداد ارتباكه وقلقه، ووجد نفسه مشلول الحركة بغير هاتف.. يا إلهي ! ماذا أفعل ؟ أين ذهبت زوجتي ؟
وعادت إليه الوسوسة مرّة أخرى : ألا يمكن أن يكون لزوجتك علاقات فاسدة.. مريبة .؟! ألم تسمع عن خبر كثير من الناس؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. اتّق الله يا رجل .! أتشكّ بهذه المرأة الصالحة؟! ذات المنبت الطيّب.. ولماذا لا تشكّ بنفسك؟ أهكذا أنت تسيء الظنّ دائماً؟!
وما الذي يمنع؟! ألا يمكن أن تزلّ قدم أيّ إنسان؟! الإنسان ليس معصوماً.. ولكنّ أمّ عصام امرأة على درجة من التقوى عالية.. ألا يمكن للإنسان التقيّ أن يزل ؟ يمكن.. ولكنّ الأمر بعيد عنها جدّاً.. ولماذا هو بعيد عنها بهذه الصورة؟! الاحتمال وارد فلا تستبعده.. وإذا كان الأمر صحيحاً فما العمل؟! لا يمكن أن يكون الأمر صحيحاً يا رجل ! اتّق الله .! آه لو كان الأمر صحيحاً لذبحتها.. لقطّعتها، ورميتها أمام بيت أهلها.. لارتكبت جريمة.. ولو قتلت بعدها.. خلّ عنك الوساوس يا رجل .! وفكّر بطريقة سويّة.. أين يمكن أن تكون قد ذهبت أمّ عصام؟! أين ولدي عصام؟! هل يمكن أن يكون قد أصيب بأيّ مكروه؟! يا إلهي ! أين ولدي الآن؟! وأخذ يدور في الشقة، وينظر إلى الأرض، وكأنّه يبحث عن شيء.. وفجأة رأى نقطاً من الدم الجامد على الأرض.. إنّه دم يظهر أنّه جديد.. قطعاً لم يكن من قبل.. ومسّه بأصابعه، وتفحّصه.. إنّه طريّ بعض الشيء.. لابدّ أن يكون دم عصام.. وثار الغضب في نفسه، ممزوجاً بالحزن والغمّ.. ترى ماذا حدث لابني؟! وأخذ يتتبّع أرض الشقّة هنا وهناك.. فلم يعثر على نقاط، سوى هذه النقاط هنا.. وعاد الشكّ إلى نفسه بزوجته مرّة أخرى، ولكنّه كان ضعيفاً خفيّاً.. وأخذ ينظر من شبابيك الشقّة في كلّ غرفة يمنة ويسرة، على امتداد الشوارع وتقاطعاتها، ويدقّق النظر في كلّ سيّارة.. وفجأة بدت له سيّارة من بعيد كانت تمشي وئيدة، وكأنّها تبحث عن شيء.. يبدو أنّ فيها أحداً، واقتربت من البيت.. وتوقّفت قليلاً، فلم يتبيّن من فيها..
وثار الدم في رأسه من جديد.. وفُتحَ باب السيّارة، فنزلت زوجته فعلاً.. وهي تحمل طفلها ابن الثانية من العمر.. كان مغطّى بلحافه، وكأنّه ميّت.! وقفز يهبط درجات البيت كلّ ثلاث درجات معاً.. وفتح الباب لزوجته.. والغضب يتملّكه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه.. وقفزت الوساوس إلى نفسه مرّة أخرى، وثار الدم في عروقه، فرأته زوجته بهذه الصورة، فبدا الارتباك على وجهها.. وبادرها بالقول: أين كنت يا خائنة؟! كيف خرجت من البيت بغير إذني؟! فازداد ارتباكها.. وهي تقول: اصبر يا أبا عصام.! اصبر.. فلم ينتظر منها كلمة.. وبادر بالقول، وهو بلطمها على وجهها: أنت طالق ثلاثاً .! فخرّت مغشيّاً عليها، والطفل بين يديها..
وكان الأمر وما فيه أنّ ولدها أمسك السكّين وجرح يده جرحاً بليغاً، فنزل منه الدم بغزارة، وحاولت الاتّصال بزوجها، فوجدت الهاتف مفصول الحرارة، فما كان منها إلاّ أن خرجت من البيت إلى أقرب مستشفى لتسعف طفلها.. ثمّ كان من زوجها ما كان.. عاد إلى رشده، فاشتدّ لومه لنفسه على سوء ظنّه .! ولكن بعد أن كانَ ما كان.. ألا ما أسوأ الشكّ وسوء الظنّ عندما يتملّكان الرجال..!