بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلنبادر اليوم قبل غد، فكل صورة لطفل يمني تنكأ جرحاً في قلب مؤمن، ونخشى أن نسأل عن هؤلاء ـ إن ضيعناهم ـ يوم القيامة..
الجوع يزحف في أرجاء أمتنا الإسلامية، ونحن من نملك ثروات الدنيا.. وفي أرض الحكمة وأصل العرب يجوع العرب!
في اليمن زحف الفقر والجوع في أعقاب ثورتها، أو لنقل هو جزء من عقاب الآخرين لها حين نادت بحريتها.. بدأت المأساة حين لفتنا إعلام الغرب إليها حيث لا نسمع الأنات إلا عبر الأثير الغربي، لحاجة في نفسه، ومن حاجة في وعينا وإدراكنا؛ فقام أهل الخير والنشطاء بإطلاق الحملات الكريمة لقهر الجوع هناك.
أمر طيب أن نلتفت إلى واجب الوقت فنهرع إلى الإغاثة، وهذا من أعظم البر، ومن سنن الخير التي يسنها رواد فينشرون بفعلهم نجدة الملهوف وإغاثة الجائع، وذاك مما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى مسلم عن جرير أن قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قوم عراة حفاة متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة فصلى ثم خطب فقال: " { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا و اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع ثمره حتى قال ولو بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها دون أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها دون أن ينقص من أوزارهم شيئا".
"فـ تغير وجه.."، "فـ دخل ثم خرج"، "فـ أمر بلالا".. استيعاب سريع؛ فمبادرة سريعة، ففعالية منجزة. هذا حقيقة هو المطلوب، غير أن ما في اليمن يفوق أزمة طارئة مبعثها قلة مطر أو جدب أو ما نحو ذلك.
إنها "منهبة" من أموال المسلمين السائبة، يجور عليها أهل الظلم؛ فيسرقون، ويتخمون أرصدتهم، وتحميهم مناصبهم، وتجوع الشعوب من بعدهم.. إنها حالات صالح وزين ومبارك والقذافي وبشار..
ثم هي نتاج تنصيب هؤلاء من قبل القوى الكبرى الراغبة دوماً في إذلالنا واستعبادنا، وإحالتنا إلى ملفات إغاثية ونحن ملاك الموارد والطاقة في العالم..
ثم هي نتاج عقاب جماعي بدا في اليمن ومصر وغيرها من أجل أن تُحرف الشعوب عن غايتها في الحرية والاستقلال..
وثم هي ارتهان أبدي للقوى العظمى تحول دون أن نحل أزماتنا بأنفسنا، وتكأة للتدخل، ولقتل الروح التحررية وزرع اليأس وشرعنة الاحتلال والاستعباد إلى حد جعله "مطلباً وطنياً" مثلما كان الحال في حالة شفيق بمصر.
إنها معركة الشفافية، ومعركة الاستقلال..
أما واجب الوقت؛ فهو على شقين لا ينفصلان.. الإغاثة المتاحة، والإغاثة المستحقة..
نعم، إن العمل الخيري في بلاد العرب ما زال مكبلاً، علينا أن نعترف، وهو حكر على منظمات إغاثية منها ما هو مقبول، ومنها ما قد أثبت فشله لارتهانه بسياسات متكلسة أكثر من علاقته بالحاجيات الظرفية الحقيقية، وبعضها لم يعد محل ثقة؛ فلنناد بإطلاق العمل الخيري، مع ضوابطه المتعارف عليها والمعايير الدولية لتنظيم ذلك..
وأما المتاح؛ فلنبادر اليوم قبل غد، فكل صورة لطفل يمني تنكأ جرحاً في قلب مؤمن، ونخشى أن نسأل عن هؤلاء ـ إن ضيعناهم ـ يوم القيامة..