ملخص الخطبة
1- فرض الصلاة. 2- من فضائل الصلاة. 3- فضل إجابة المؤذن. 4- فضل الطهارة. 5- فضل المشي إلى المسجد وانتظار الصلاة فيه. 6- ميزة الصلاة عن بقية الطاعات. 7- فضل الذكر بعد الصلاة.
الخطبة الأولى
هذه وقفةٌ مع فريضة من فرائض الله، مفروضة على كل مسلم مكلف، الغني والفقير، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى، والمسافر والمقيم، في الأمن والخوف، لا يستثنى منها مسلم مكلف، ما عدا الحائض والنفساء.
إنها قرة عيون المؤمنين ومعراج المتقين، إنها الصلاة ركن الدين وعموده، آخر ما يفقد العبد من دينه، فليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام، هي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن قبلت قبل سائر العمل، وإلا رد سائره.
الصلاة فرضت في أشرف مقام وأرفع مكان، هي أول ما فرِض، وهي آخر ما أوصى به النبي أمته: ((الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانكم)). هي فواتح الخير وخواتمه، مفروضة في اليوم والليلة خمس مرات، يفتتح المسلم بالصلاة نهاره ويختم بها يومه.
الصلاة خضوع لجلال الله وخشوع لعظمته وتواضع لكبريائه، ولم يفترض الله على عباده بعد توحيده فريضة أعظم من الصلاة، والإسلام يعلّق قلب المؤمن دائما بالصلاة، تأمل ربط المسلم بالصلاة في كل شؤونه، إن فرح شكر فصلّى ومنه سجود الشكر، وإن خاف صلى ومنه صلاة الكسوف، وإن همّ بأمر صلى واستخار، إن أجدبت الأرض صلى الاستسقاء، وفي سائر أوقاته قَالَ كما في صحيح البخاري: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
عباد الله، تأمّلوا حال المسلم مع الصلاة، من حين النداء إليها حتى ينتهي منها، استشعروا تهيئة المسلم للصلاة قبل بدايتها، فإذا سمع النداء جاء في صحيح البخاري قول رَسُول اللَّهِ : ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وفي صحيح مسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَي عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَي عَلَى الْفَلاَحِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
ثم هيّأه بعد ذلك بالطهارة الحسية، ففي صحيح مسلم من حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ : ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ))، ثم أمره بأخذ الزينة: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]، بل وأمره بنظافة الباطن، ففي صحيح البخاري قال : ((مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلا فَلْيَعْتَزِلْنَا)) أَوْ قَالَ: ((فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا)).
فإذ خرج من بيته أمره بالسكينة كما عند مسلم من حديث أبي قتادة قال : ((إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا))، ووعده بالأجر الجزيل لخُطاه، كما في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً))، ولأنه سيدخل بيت الله فإن له من التعظيم ما ليس لسواه أمره بالدعاء عند الدخول، فعَنْ أَبِى حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)) رواه مسلم، وجعل لبيته تحية خاصة، ففي صحيح البخاري من حديث أَبي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ : ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ)).
فإذا جلس اشتغل بالذكر والدعاء والقرآن كما في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي قَالَ: ((لا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ)).
فإذا دخل المسلم في صلاته فتح الله له من التسبيح والتحميد والذكر والدعاء ما يوجب له مرافقة رسول الله في الجنة، وكان قريبا من ربه يناجيه كما عند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قال: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)).
الخطبة الثانية
ومن الدليل على عظم قدرها وفضلها أن كل فريضة افترضها الله فإنما افترضها على بعض الجوارح دون بعض، إلا الصلاة فإنه يقبل عليها بكليته، فإن الصائم له أن يلتفت وينام ويتكلم بغير ذكر الصوم، والحاج في قضاء مناسكه قد أبيح له أن يتكلم كذلك فيما بين ذلك وينام ويشتغل بما أحب من منافع الدنيا المباحة له، وكذلك إعطاء الزكاة، والمقاتل في سبيل الله له أن يلتفت ويتكلم، وهكذا جميع الطاعات له أن يعمل فيها ويتفكر في غيرها، ومنع المصلي من الأكل والشرب وجميع أعمال الدنيا من الالتفات والأفعال بالجوارح إلا بالصلاة وحدها، ومن التفكر إلا فيما يتلو ويقول، فالمصلي كأنه ليس في الدنيا ولا في شيء منها، إذ إنه بقلبه وجميع بدنه في الصلاة، فكأنه ليس في الأرض، وذلك أنه يناجي الملك الأكبر، فلا ينبغي أن يخلط مناجاة الإله العظيم بغيرها، وكيف يفعل ذلك والنبي قد أخبر أن الله مقبل عليه بوجهه؟! فكيف يجوز لمن صدّق بأن الله مقبل عليه بوجهه أن يلتفت إلى ما سواه؟! ففي صحيح البخاري من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِي قَالَ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِى رَبَّهُ))، أَوْ قال: ((إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)).
فإذا قام إلى صلاته تمثل قول النَّبِي كما عند أبي داود: ((إِنَّهُ لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ ـ يَعْنِى مَوَاضِعَهُ ـ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَيُثْنِى عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِي قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ)).
ثم بعد التسليم الاستغفار والذكر، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ)).
عباد الله، هل تنتهي علاقة المسلم بالصلاة بعد إتمامها، تأمّل حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)) رواه مسلم، وفي صحيح البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)) وذكر منهم: ((وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ))، قلبه معلق بها فإذا انتهى منها تطلّع للتي تليها، همّه الصلاة وإقامتها.
أيها المسلمون، عبادة هذه مكانتها وهذه عند الله منزلتها وهذه عناية الإسلام بها فحري بالمسلم أن يكون عليها من المحافظين ولها من المقيمين.
منقول