الاكتشاف قد يؤدي إلى مكافحة أمراض المناعة الذاتية
توصل باحثون بجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو إلى أن الجهاز المناعي يحتوي على نوع من الخلايا التي يمكن تنشيطها بواسطة أنسجة داخل الجسم، لتذكير الجهاز المناعي بعدم مهاجمة جزيئات وخلايا وأعضاء الجسم.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى وضع استراتيجيات جديدة لمكافحة عدد من أمراض المناعة الذاتية - التي يهاجم فيها الجهاز المناعي جزيئات وخلايا معينة داخل أجسامنا ويلحق بها الضرر - إضافة إلى منع رفض تقبل الجسم لزرع الأعضاء الجديدة، وفقا للنتائج التي أعلنها الباحثون على النسخة الإلكترونية من دورية «نيتشر» الشهر الماضي.
وتنتقل الخلايا، التي تعقبها الباحثون، في الدم وتعتبر مناظرة لخلايا الذاكرة التي تساعد على منع العدوى الميكروبية بعد التطعيم أو التعرض المتكرر للعامل الممرض نفسه.
ذاكرة الأنسجة
وقد قام كل من أبو العباس، إخصائي جهاز المناعة ورئيس قسم علم الأمراض بالجامعة والحاصل على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة، ومايكل روزنبلوم، الحاصل على درجة الدكتوراه في الطب والأستاذ المساعد بقسم الأمراض الجلدية بجامعة كاليفورنيا، وإيريس غارتز، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الطب، قاموا بدراسة أمراض المناعة الذاتية على فأر تجارب بهدف اكتشاف الدور الذي تلعبه الخلايا التائية في ذاكرة الجهاز المناعي.
وقد وجد الباحثون أن الأنسجة الموجودة داخل الجسم - وهي الجلد في هذه الحالة - تدافع عن نفسها في مواجهة المناعة الذاتية عن طريق تنشيط جزء صغير من الخلايا التائية.
وقال أبو العباس: «أصبح هناك مفهوم جديد يتلخص في أن الأنسجة تتذكر. إن التعرض لنفس البروتين الذي أثار المناعة الذاتية في تلك الأنسجة قد يؤدي إلى التهاب أقل حدة».
ويعاني نحو 50 مليون أميركي من أمراض المناعة الذاتية، التي تتراوح بين طفيفة وحادة. وعلى مدار عقود طويلة كان إخصائيو جهاز المناعة يعزون هذه الأمراض إلى وجود خلل في الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا اللمفاوية، بما في ذلك الخلايا التي تفرز الأجسام المضادة التي عادة ما تستهدف البروتينات الخارجية الموجودة في مسببات الأمراض المعدية.
وفي أمراض المناعة الذاتية قد تكون الخلايا اللمفاوية موجهة ضد البروتينات «الذاتية». وتقوم الخلايا اللمفاوية، في حالة التصلب المتعدد على سبيل المثال، بإفراز الأجسام المضادة التي تهاجم البروتينات الموجودة في الغلاف العازل المحيط بالأعصاب. وفي مرض الذئبة تقوم الأجسام المضادة بمهاجمة الحمض النووي.
كبت الهجوم
وعلى الرغم من ذلك يرى الباحثون أن أمراض المناعة الذاتية قد تنطوي في كثير من الأحيان على استجابات غير طبيعية من الخلايا التائية. وقد نجح إخصائيو جهاز المناعة خلال السنوات الأخيرة في التعرف على الدور الهام الذي عادة ما تقوم به الخلايا التائية، ليس فقط خلال استجابة الجهاز المناعي في فترة التعافي من الإصابة، ولكن أيضا في منع الاستجابات الذاتية.
وقال روزنبلوم: «بدلا من الاستجابة المناعية التي تهاجم الخلايا، أصبح هناك استجابة مناعية لكبت الهجوم». ويوجد توازن بين هذين النوعين من الخلايا، ولكن تؤدي أمراض المناعة الذاتية إلى حدوث خلل في هذا التوازن.
وعمل الباحثون في جامعة كاليفورنيا على اكتشاف كيفية الحد من المناعة الذاتية أو العمل على تضاؤلها بمرور الوقت. وقد لاحظ الأطباء أن أمراض المناعة الذاتية التي تهاجم عضوا واحدا تكون أشد حدة في بدايتها، ثم تقل تلك الحدة بعد ذلك.
وبالمثل، كان أبو العباس وروزنبلوم وغارتز متشوقين إلى نجاح عملية إضعاف أو إزالة الحساسية أو ما يسمى بـ «لقاحات الحساسية» بالنسبة لبعض مرضى الحساسية. ومثلها مثل البروتينات الموجودة في أجسامنا، لا تشكل مسببات الحساسية مثل أنواع معينة من حبوب اللقاح أي خطر للإصابة بالأمراض، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحساسية فإن الجهاز المناعي يشارك في الهجوم على أي حال.
ومع ذلك فإن تكرار الحقن والزيادة التدريجية في تناول جرعات الحساسية يمكن أن يؤدي إلى تقليل حدة العطس والحكة. وقام علماء بجامعة كاليفورنيا بالعمل على سلالة من الفئران تمكنهم من تشغيل أو إيقاف إنتاج بروتين ذاتي يسمى «أوفالبومين» في الجلد. وقد تم حث الفئران على إنتاج كمية كبيرة من البروتين، وهو ما أدى إلى إثارة رد فعل المناعة الذاتية.
ومع ذلك أدى وجود البروتين إلى تحفيز الخلايا التائية التي تكاثرت وتحولت إلى شكل أكثر فعالية، وهو ما أدى بالتالي إلى كبت المناعة الذاتية بشكل أفضل.
وعندما قام الباحثون مرة أخرى بتعزيز عملية إنتاج «أوفالبومين» في الفئران أدى ذلك إلى إضعاف استجابة المناعة الذاتية، وذلك بسبب وجود الخلايا التائية النشطة بالفعل.
خلايا الذاكرة
ويتم بالفعل دراسة الخلايا التائية في العلاجات التي تهدف إلى منع رفض الجسم لتقبل الأعضاء المزروعة، بما في ذلك العلاج الذي تم التوصل إليه عن طريق فريق تحت رئاسة جيفري بلوستون، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس جامعة كاليفورنيا.
ومع ذلك فإن اكتشاف خلايا الذاكرة طويلة الأمد بين أولئك الذين لديهم خلايا تائية يسلط الضوء على إمكانية استخدام خلايا الذاكرة المتخصصة في العلاج للمساعدة في منع الهجوم على أهداف جزيئية محددة، والتي يطلق عليها إخصائيو جهاز المناعة اسم «مولدات المضادات». ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إثارة خلايا الذاكرة المتخصصة وإعادة الخلايا الواقية إلى المريض، حسب تصريحات روزنبلوم.
ويرى أبو العباس أنه على الرغم من عدم التعرف على الدور الذي تقوم به خلايا الذاكرة التائية النشطة، «فإن ذلك يعد نجاح ما يسميه خبراء الحساسية بالعلاجات المناعية المتخصصة التي أدت إلى التجارب السريرية الحديثة لإدارة مولدات المضادات في التصلب المتعدد ومرض السكري من النوع الأول».