د / أريج بنت سعد العوفي
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبدالله الهادي الأمين
الحمدلله على نعمة الإسلام التي هدانا الله لها وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
الحمدلله أن جعلنا نوراً يمشي على الأرض بما نحمله من إيمان برب الأرباب وتسليم لله الواحد القهار.
الحمدلله
أن منّ علينا بعلم قلوب مؤمنة تواجه أهل الكفر والضلال فما من فائدة علمية
أو طبية إلا ونبحث عن أسرارها التي أعطانا الله إياها بفضله وكرمه وجوده .
إن
المتأمل في علوم الطب القديمة سيجد أن للمسلمين صولات وجولات أشرقت لها
الدنيا ووقف لها العرب والعجم احتراماً وتقديراً وتبجيلاً ، ويشاء الله عز
وجل أن تنتقل دفة القيادة الطبية العالمية بشكل عام إلى أيدي العجم لفترة
زمنية ليست بالقصيرة ولكن كان للوجود الإسلامي توقيعه الذي لا يجهله
العارفون في عالم الطب ويوماً بعد يوم يكبر التواجد الإسلامي مثبتاً للعالم
أجمع تميز الطبيب المسلم وإبداعه خلقاً وديناً وعلماً ...
وهانحن
نقف الآن على مرحلة زمنية عجيبة ، حيث يواجه المسلمون عموماً معركة إثبات
الحق والدفاع عنه وإيصال الرسالة الإسلامية الصحيحة والخالية من التزييف
والخداع إلى العالم أجمع وخاصة إلى أؤلئك الذين يرفعون شعارات تتهم إسلامنا
بالهمجية والتمسك بالبقاء في مؤخرة ركب التقدم الحضاري والعلمي والثقافي
وكأنهم يتجاهلون أن الآية الأولى التي أنزلت على رسولنا الحبيب محمد صلى
الله عليه هي ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ) فكانت الدعوة الأولى للقراءة
والعلم ...
وفي ظل حرص مجتمع الأطباء عموماً على الحفاظ على الصورة
السليمة للطبيب المسلم الحق الذي يحرص على التواجد في المحافل الدولية
والمحلية تواجداً متميزاً بالعلم والإبداع والاختراع ، تظهر علامة استفهام
جلية للكثيرين حول مظهر هذا الطبيب وعلاقته بجوهره ومعدنه الأصيل.
وإننا
إذ نتطرق لفئة الأطباء ( رجالاً ونساءاً ) التي تقيم في بلاد مسلمة تنتشر
فيها بيوت الله قائمةً بشرع الله تعالى وفيها ما فيها من العادات والتقاليد
العربية ، فنحمل لهم سؤالاً فحواه ( إلى متى سنحمل السمت الأجنبي الغربي
في مظهرنا داخل طرقات القطاعات الصحية ؟ )
يؤلمنا بحق ان نرى طبيباً
متميزاً بعلمه وخلقه ودينه يحرص كل يوم على ارتداء بنطاله وقميصه المزين
بربطة عنق حديثة وهو يعيش في وسط مجتمعه المسلم العربي والخليجي تحديداً ،
وسؤال يفرض نفسه لمَ هذا الإصرار الدائم على الابتعاد عن الزي المعتاد في
هذه البلاد والذي لم يكن يرتدي غيره قبل أن يحمل لقب( الطبيب فلان) ...؟
ونحن
هنا لا نتحدث عن حدود البنطال والقميص والتي وردت بعض الفتاوى بأنها صارت
زياً معتاداً في بعض بلاد العرب فهي إذن لا تدخل ضمن التشبه بالكفار - إلا
لو كان الشخص يهدف لتقليدهم - ، ولكننا نتساءل عن سر تمسك البعض برباط
العنق الأجنبي ( ولن يكون الأمر سوى خارجاً عن المألوف المتوقع لكل طبيب
عربي خليجي ) ؟!!؟ أهو إثبات حاجة لتواجد الروح الغربية في نطاق عملنا ؟ أم
هو هروب من الشعور بالنقص دونها ؟ أم أننا لن نبدع ولن نطبق ما نعلمه إلا
بها ؟ أم أنها عادة ألفناها –وهو الأرجح عندي – جيلاً بعد جيل ؟
ولعلك أيها الزميل الكريم تسمح لي بنقل فتوى مفيدة جداً في هذا النطاق ...
السؤال:
أود
ان اسأل عن حكم ارتداء البدلة الرجالية وتحديدا تمسك بعض المسلمين برباط
العنق مثلا في بلاد مسلمة وخاصة الخليجية حيث ان اللباس الرسمي هو الثوب
والعمامة ، فهل من حرج في ارتداء البنطال والقميص فيها وهل من حرج في
ارتداء رباط العنق الأجنبي ...؟
المفتى: فتاوى الشبكة بإشراف د. عبد الله الفقيه من موقع الفتوى بين يديك
الإجابة: ' بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإن الأصل في اللباس أنه من الأمور المباحة حتى يرد دليل على التحريم، وذلك للقاعدة الشرعية العامة: الأصل في الأشياء الإباحة.
وقد ذكر أهل العلم ضوابط عامة للباس الرجال، من هذه الضوابط:
أولاً:
ألا يكون فيه تشبه بالنساء، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة
الرجل". رواه أبو داود بسند صحيح.
ثانياً: ألا يكون ضيقاً فيصف.
ثالثاً: ألا يكون خفيفاً فيشف.
رابعاً:
ألا يشابه لبس الكفار، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: إن هذه من ثياب
الكفار فلا تلبسها". رواه مسلم.
خامساً: ألا يكون ثوب شهرة، ففي حديث
ابن عمر في سنن أبي داود بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من
لبس ثوب شهرة، ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله، ثم يلهب فيه النار".
فإذا
تحققت هذه الشروط في أي نوع من اللباس كان مباحاً، فالجاكيت الأصل فيه أنه
مباح، والقول بتحريمه لمشابهة الكفار لا يمكن الجزم به، لأنه لا مانع من
أن يكون -أصلاً- من زي المسلمين، فقد قيل إن أصلها من لبس الأتراك وهم
مسلمون، فيكون من نوع الزي الذي يفعلونه هم أيضاً.
قال ابن تيمية -رحمه
الله- وهو يتحدث عن ضوابط مشابهة الكفار: النوع الثاني: ما ليس في الأصل
مأخوذاً عنهم، لكنهم يفعلونه أيضاً، فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد
يفوت فيه منفعة المخالفة، فتتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء
كونه من مشابهتهم، إذ ليس كوننا تشبهنا بهم أولى من كونهم تشبهوا بنا.
والله أعلم.
أما ربطة العنق:
"فأصل
نشأتها بأوربا، ويقال إنها كانت في الأصل رمزاً لطاعة الزوج لزوجته، ثم
أخذت في التهذيب إلى ما هي عليه الآن، وقد صارت عادة لدى كثير من المسلمين،
وخرجت عن حد الخصوصية بالكفار وعن التشبه بهم إلا إذا لبسها المرء لا
يلبسها إلا لأن الغرب يلبسونها فعندئذ يدخل هذا في قول النبي صلى الله عليه
وسلم: "ومن تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود. على أن الأولى
للمسلم تركها على كل حال.
ويحرم على المرأة لبسها، لما فيه من
التشبه بالرجل، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة المتشبهة
بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" رواه
البخاري.
وقيل لعائشة إن امرأة تلبس النعل، فقالت: لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء" رواه أبو داود، والمراد بالنعل في
هذا الحديث : النعل التي تشبه نعل الرجال.
أما ضوابط ثوب الشهرة:
فقد
جاء النهي عن لباس الشهرة في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
منها: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لبس ثوب
شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" رواه أحمد وأبو داود
وابن ماجه، والنسائي، ورجال إسناده ثقات كما قال الشوكاني في نيل الأوطار.
وعن
أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا
أعرض الله عنه حتى ينزعه، وإن كان عنده حبيباً ". قال الحافظ العراقي في
تخريج الإحياء: رواه ابن ماجه من حديث أبي ذر بإسناد جيد، دون قوله:" وإن
كان عنده حبيباً" . وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لبس
ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، ثم يلهب فيه النار " أخرجه أبو
داود، وابن ماجه، وحسنه السيوطي، والألباني. إلى غير ذلك من الأحاديث.
ومعنى
الشهرة كما قال ابن الأثير: ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر به بين
الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم
بالعجب والتكبر. وقوله " ثوب مذلة " أي: ثوباً يوجب ذلته يوم القيامة.
إذاً:
فالأحاديث تدل على تحريم لباس ثوب الشهرة، وليس هذا مختصاً بنفس الثياب بل
قد يحصل ذلك كما قال الشوكاني لمن يلبس ثوباً يخالف ملبوس الناس من
الفقراء، ليراه الناس، فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه. وإذا كان اللبس لقصد
الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس
والمخالف، لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد، وإن لم يطابق
الواقع.
وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يبتعد عن اللباس الذي يميزه عن
غيره من الناس، لأن هذا التميز قد يؤدي به إلى العجب، والتكبر، والخيلاء.
والواجب
على المسلم أيضاً أن يبحث عن اللباس الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، حيث كان الرسول متواضعاً في ملبسه بعيداً عن الخيلاء، وقد قال: "
كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ،في غير إسراف ولا مخيلة " أخرجه أحمد
والنسائي وابن ماجه، والحاكم.. وصححه السيوطي. وقال:" البذاذة من الإيمان"،
أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم،وصححه السيوطي.
ومعنى البذاذة : رثاثة الهيئة، أراد بذلك التواضع في اللباس وترك التبجح به.
وأما بالنسبة لسؤالك عن الألوان التي يحرم أو يكره على الرجال لبسها؟
فالأصل
أنه يجوز للرجل لبس جميع الألوان إلا ما ورد النهي عنه، فإنه يحرم أو يكره
بحسب الحال، فيجوز للرجل أن يلبس الأسود، والأخضر، والأصفر، والأزرق، وما
نسج من قطن أو كتان وغير ذلك إلا الحرير، ويستحب لبس الأبيض من الثياب
للحديث: " البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها
أمواتكم " أخرجه أبو داود.
وأما الثوب المعصفر، ( المصبوغ بالعصفر )
فقد اختلف العلماء في حكم لبسه، فمنهم من قال بتحريمه، ومنهم من قال
بكراهيته، ومنهم من قال بجوازه،
وقد جاء النهي عن لبس المعصفر في صحيح مسلم وغيره.
فعن
عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله عليَّ ثوبين معصفرين فقال:" إن هذه
من ثياب الكفار فلا تلبسها" . وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن لبس القسي و المعصفر" قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: واختلف
العلماء في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بالعصفر، فأباحها جمهور العلماء
من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، . وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة ومالك لكنه
قال: غيرها أفضل منها، وفي رواية عنه أنه أجاز لبسها في البيوت وأفنية
الدور، وكرهه في المحافل والأسواق، ونحوها.
وقال جماعة من العلماء:
هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا، لأنه ثبت أن النبي صلى الله
عليه وسلم لبس حلة حمراء، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه قال رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة، وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما
صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي.
وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة، ليكون موافقاً
لحديث ابن عمر رضي الله عنه: نهى المحرم أن يلبس ثوباً مسه ورس أو زعفران. …
إلى آخر كلام النووي رحمه الله.
والحق أن العلماء قد اختلفوا أيضاً في
لبس الثوب الأحمر اختلافاً كبيراً أوصله الحافظ ابن حجر إلى سبعة أقوال.
والراجح والله أعلم جواز لبس الأحمر والمعصفر، ولكن الأولى تركه، وبالله
التوفيق.
انتهى الجواب
وتبقى تساؤلاتي ورسالتي لكل طبيب مسلم غالي فهو ثروة لا تقدر بثمن :
ألم يحن الوقت بعد للدفاع عن هويتنا المسلمة مظهراً وجوهراً ؟
ألم يحن الوقت لإعادة السمت المسلم ديدناً في طرقات مستشفياتنا؟
ألم
تحن اللحظة التي نغسل فيها ارتباطاً ظاهرياً بالغرب وعاداتهم ، لا يسمن
ولايغني من جوع ، لكنه يحمل لمسة انهزامية في تقليدهم واتباعهم ؟
أهي حقاً معضلة أن تكون القمصان عارية من رباط عنق يخنق هويتنا ؟
أعلم
يقيناً أن العمل الطبي بالزي التقليدي الخليجي قد يكون مرهقاً للبعض ( وإن
كنت أرى كثيراً من الأساتذة الأفاضل ، والزملاء الكرام يرتدونه دون أية
صعوبة ) ولكن هذا لا يعني ضرورة وجود هذا الرباط الذي يشعرني بالحنق
والاختناق وسط زجاجة هشة اسمها ( سيطرة غربية ) ؟
حقيقة أرجو أن
تفهم رسالتي البسيطة من خلال هذه الأسطر القليلة وهي الحرص على التمسك
بسمْـتنا الإسلامي خالياً من محاولات غربية لوأده.
وإني لأرجو من كل طبيب خليجي أن يراجع هذه المسألة في جدول اعماله، فعادة أُلفت لحين من الزمن ليس ضروريا أن نستمر فيها .
قد
يرى البعض ممن يقرأ سطوري هذه نوعاً من التزمت أو التشدد فماذا يعني رباط
عنق يزيدني اناقة .؟ وهو ليس بتشدد بل والله يشهد دعوة للوقوف بحزم مع كل
المحاولات الغربية لتمييع الهوية الإسلامية وأي أناقة نبحث عنها الان في ظل
ما يواجهه الإسلام من الحملات النصرانية الشرسة ضده ؟
وأخيراً
أوفر الاحترام والتقدير لكل طبيب رفع راية دينه ووطنه خفاقة بشرف وإخلاص وتفاني وقلبه ينبض بحب العطاء والخير.
وللحديث شجون وشئون مع طبيبتنا المسلمة