القول في تأويل قوله تعالى ( وسع كرسيه السماوات والأرض )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الكرسي " الذي أخبر الله - تعالى ذكره - في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض .
فقال بعضهم : هو علم الله - تعالى ذكره - .
ذكر من قال ذلك :
5787
- حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن مطرف ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وسع كرسيه " قال :
كرسيه علمه .
5788 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال :
أخبرنا مطرف ، [ ص: 398 ] عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس مثله . وزاد فيه : ألا ترى إلى قوله : " ولا يئوده حفظهما " ؟
وقال آخرون : " الكرسي " : موضع القدمين .
ذكر من قال ذلك :
5789
- حدثني علي بن مسلم الطوسي قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال :
حدثني أبي ، قال : حدثني محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن
عمير ، عن أبي موسى قال : الكرسي : موضع القدمين ، وله أطيط كأطيط الرحل .
5790
- حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "
وسع كرسيه السماوات والأرض " فإن السموات والأرض في جوف الكرسي ، والكرسي
بين يدي العرش ، وهو موضع قدميه .
5791 - حدثني المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : " وسع كرسيه
السماوات والأرض " قال : كرسيه الذي يوضع تحت العرش ، الذي يجعل الملوك
عليه أقدامهم .
5792 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد
الزبيري ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين قال : الكرسي : موضع
القدمين . [ ص: 399 ]
5793 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي
جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال : لما
نزلت : " وسع كرسيه السموات والأرض " قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم
- : يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض ، فكيف العرش ؟ فأنزل
الله تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره ) إلى قوله : ( سبحانه وتعالى عما
يشركون ) [ الزمر : 67 ] .
5794 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن
وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال ابن
زيد : فحدثني أبي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما
السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . قال : وقال أبو
ذر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الكرسي في العرش إلا
كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض .
وقال آخرون : الكرسي : هو العرش نفسه .
ذكر من قال ذلك :
5795 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش .
قال
أبو جعفر : ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب ، غير أن الذي هو أولى
بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ما :
- [ ص: 400 ]
5796 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني قال :
حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد
الله بن خليفة قال : أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : ادع
الله أن يدخلني الجنة ! فعظم الرب - تعالى ذكره - ثم قال : إن كرسيه وسع
السموات والأرض ، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال
بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد ، إذا ركب من ثقله " .
5797
- حدثني عبد الله بن أبى زياد قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن إسرائيل ،
عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - بنحوه .
5798 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد
قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : جاءت
امرأة ، فذكر نحوه . [ ص: 401 ]
وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن
فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عنه أنه
قال : " هو علمه " . وذلك لدلالة قوله - تعالى ذكره - : " ولا يئوده
حفظهما " على أن ذلك كذلك ، فأخبر أنه لا يئوده حفظ ما علم ، وأحاط به مما
في السموات والأرض ، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم : ( ربنا
وسعت كل شيء رحمة وعلما ) [ غافر : 7 ] [ ص: 402 ] فأخبر - تعالى ذكره - أن
علمه وسع كل شيء ، فكذلك قوله : " وسع كرسيه السموات والأرض " .
قال أبو جعفر : وأصل " الكرسي " العلم . ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب " كراسة " ومنه قول الراجز في صفة قانص :
حتى إذا ما احتازها تكرسا
.
يعني
علم . ومنه يقال للعلماء " الكراسي " ؛ لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : "
أوتاد الأرض " . يعني بذلك أنهم العلماء الذين تصلح بهم الأرض ، ومنه قول
الشاعر :
يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب
يعني
بذلك : علماء بحوادث الأمور ونوازلها . والعرب تسمي أصل كل شيء " الكرس "
يقال منه : " فلان كريم الكرس " أي كريم الأصل ، قال العجاج : [ ص: 403 ]
قد علم القدوس مولى القدس أن أبا العباس أولى نفس
بمعدن الملك الكريم الكرس
يعني بذلك : الكريم الأصل . ويروى :
في معدن العز الكريم الكرس
منقوول للافاده