الطب الشعبي في العراق

الطب الشعبي في العراق


ما ان يسمع احد ببغداد في انحاء العالم حتى يشم عبق (الف ليلة وليلة) الحكايات الخالدة التي باتت تشكل جزءا مهما من تراثنا العربي الضخم الذي هو ركيزة حضارة امتنا وتاريخنا المجيد.هذا السفرالعجيب من الحكايات التي نالت اعجاب الاجيال المتعاقبة في الشرق والغرب، فكانت مرآة عاكسة لاوضاع واحوال العرب القدامى بناة الحضارة والتاريخ ،وفي شتى نواحي الحياة.وكان لموضوع الطب الشعبي البغدادي نصيب كبير في هذه الحكايات حيث تروي الليالي ان البغداديين كانوا يكرهون فكرة المستشفى (البيمارستان) والذهاب اليها والعلاج فيها، معتقدين بان من دخله سيخرج ميتا في يوم واحد ،وعليه فانهم يفضلون علاج المرضى داخل بيوتهم باستخدام الوسائل الطبية الشعبية المتوفرة لديهم ،فهم يدخلون المريض الحمام فيغسلونه غسلاً جيداً ثم تعمل له المساليق وماء الخولنجان وماء التفاح ثم يطعمونه لحم الدجاج ويسقونه السكر السائل.
ومن المرضى ممن لا يستطيع تحمل حرارة الحمام فانهم يعالجونه ابتداء بان يسخن له ماء وتغسل يداه ورجلاه بعد ان تستبدل ملابسه ويفرش له فراش جديد ونظيف ثم يسقونه قدح شراب ويرش عليه ماء الورد ليعدل من مزاجه ونفسيته واذا اصاب المرء بجروح او رضوض ،فانهم سيعرضونه على الجراحين العرافة المختصين في الطبالشعبي ولهم خبرة في معالجة الجروح ،حيث يسعون الى ملاطفة المصاب ومداوة جروحه وينصحون بعد شفاء الجروح بدخول الحمام لتزول عنه الاوجاع والاسقام..وفي اغلب الاحيان يستخدم الجراحون في معالجة الجروح بوضع (الذرور) على الجرح لكي ينقطع الدم عنه وانهم يمنعون تقديم الماء للمجروح.
ويشير الباحث الدكتور احمد محمد الشحاذ في كتابه الموسوم (بغداد في الف ليلة وليلة ) الى ان روح النكتة والطرافة عند البغداديين حاضرة حتى في الوصفات الطبية الخيالية ،ففي محاورة مع رجل يلتمس دواء لعينيه،يقال له على صيغة الطرفة :خذ ثلاث اواق من هبوب الريح وثلاث اواق من شعاع الشمس وثلاث اواق من زهر القمر وثلاث اواق من نور السراج واجمع الجميع وضعها في الريح ثلاثة اشهر ثم بعد ذلك ضعها في هون بلا قعر ودقها ثلاثة اشهر فاذا دققتها فضعها في جفنه مشقوقة وضع الجفنة في الريح ثلاثة اشهر ثم استعمل الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم واستمر على ذلك ثلاثة اشهر فانك تعافى ان شاء الله تعالى.
وتذكر الليالي ان المصاب باستهواء العقل الناتج عن فساد الهواء فانه لايشفى مما هو فيه الا بقلع ضرسين ويكوى مرتين في اصداغه.كما ويتطبب البغداديون بالحجامة وعادة ينصحون بها يوم الجمعة لانها تؤمن من ذهاب البصر وكثرة المرض.ومن الدلالات والعلامات الظاهرة التي يسترشد بها الطبيب الشعبي البغدادي على المرض فيستدل بجس اليدين على الصلابة والحرارة واليبوسة والبرودة والرطوبة وقد توجد في المحسوس دلالات على الامراض الباطنية كصفرة العينين فانها تدل على مرض اليرقان (ابو صفار) وتحقق الظهر لانه يدل على داء الرئة. كما انه ياخذ من ستة قوانين من الافعال ومما يستقرع من البدن ومن الوجع ومن الموضع ومن الورم ومن الاعراض