في إبتداء الفصل الدراسي ، خاطبت المعلمة نور مدرّسة الصف الخامس الإبتدائي تلميذاتها قائلة لهم: أحبكم جميعاً بنفس المقدار !


لكن كيف يمكن ذلك، و في المقعد الأمامي من الصف، صبية صغيرة تدعى أبرار غالباً ما بدت وحيدة ومنزوية على نفسها. فثيابها غير مرتبة، وشعرها غير مسرّح ومنظرها تشمئز منه النفس. حتى أن علاماتها كانت من أقل العلامات في الصف، ولم تتأسف مرة المعلمة أن تضع لها صفرا على الورقة التي كانت تقدمها.

في مرة من المرات، كانت المعلمة نور تراجع ملف التلميذات ، وها هي الآن أمام ملف هذا الصبية أبرار. وجدت هذه المعلمة بأن أبرار كانت من التلميذات المتفوقات في السنوات الأولى من عمرها. ثم وجدت ملاحظة في ملفها، كانت قد دونتها معلمة أخرى، معلنة فيها بأن أبرار تعاني من الآلام نفسية في البيت، إذ أن والدتها قد أصيبت بمرض خبيث وبحسب قول
الأطباء بأنه ليس هناك أي أمل في شفائها.

تابعت المعلمة نور قراءتها لملف هذا الصبية، حبا لمعرفة المزيد عن أمرها.

فقرأت ما كتبته مدرسة الصف الرابع الإبتدائي : قالت فيه: إن موت والدة أبرار وقبلها بسنوات وفاة والدها كانت سبب الآلام مبرحة لهذا الصغيرة . فمع أنها تحاول بكل جهدها، لكنها لا تحظى بالإهتمام اللازم من قبل من تعيش معهم ، وليس هناك من يعوّضها حنان أمها ولا أبيها ... وبأن حالتها تسوء يوما فيوما... فقلّت صديقاتها وها هي اليوم وحيدة وبحاجة الى مساعدة واهتمام.

شعرت المعلمة نور بالخجل من جراء تصرفاتها مع هذا الصبية ، وما زاد على الآمها حزنا، عندما قدمنا لها االفتيات الصغيرات هداياهم بمناسبة قرب نهاية الفصل الدراسي الأول وهي بمثابة هدايا شكر لمعلمتهمن . فكانت هداياهم مزينة وانيقة، أما هدية أبرار فكانت مبعثرة، وملفوفة في كيس من ورق. شكرت المعلمة طالبتها جميعهن ، وبسبب لجاجتهن فتحت الهدايا في الصف أمام الجميع.


لكن ما أن فتحت هدية أبرار حتى إبتدأن التلميذات بالضحك، إذ تبين لهن بأن هدية أبرار عبارة عن سوار لليد كانت تنقصه بعض الفصوص الزجاجية، وزجاجة صغيرة من عطر لكن لم يبقى منها سوى القليل جدا.

أخذت المعلمة السوار ووضعته على يدها، ثم وضعت القليل من العطر على ملابسها وشكرت أبرار على هديتها المعبّرة لها.


في ذلك اليوم، وبعد إنتهاء الدوام الرسمي للحصص ، وقبل خروج أبرار من الصف إقتربت من المعلمة وقالت لها: لقد كان عطرك اليوم جميلا جدا، كعطر الماما عندما كانت على قيد الحياة، كم إشتقت اليها، فانا أحب هذه الرائحة جدا، ولذا أحببت أن أهديك اياها...

ما أن خرجت هذا الصغيرة ، حتى أخذت هذه المدرّسة تجهش بالبكاء ، وصممت، بأنه من اليوم فصاعدا سوف لن تكون مدرّسة لمادة اللغة او الكتابة او الحساب فقط، بل أن تكون معلِّمة لهؤلا الفتيات بكل ما تحمل الكلمة من معنى.


أخذت المعلمة نور تهتم شخصيا في كل تلميذ ة من تلميذات صفها، وخاصة أبرار وابتدأ ذهن هذا الصبية ينفتح، فكلما شجعتها، كلما كانت تظهر عليها علامات النجاح أكثر. ففي نهاية العام الدراسي كانت أبرار في طليعة الصف. وبعد سنة، وجدت المعلمة نور ورقة على مكتبها تقول...

معلمتي الحبيبة نور .. أنا أبرار لقد كنتِ أفضل معلمة لي في كل حياتي...



مرت 6 سنين أخرى، وها هي تستلم مكتوب من شابة تدعى أبرار تقول فيه، بإنها لم ترى في كل سنين دراستها الثانوية معلمة نظيرها... ثم بعد مضي 4 سنين أخرى استلمت هذه المعلمة مكتوب آخر... جاء فيه: في بعض الأحيان، كانت الأمور صعبة، لكن رغم ذلك ثابرت في الدراسة... ولم يبقى الا القليل سوف أتخرج من الكلية بأعلى رتبة إمتياز دراسية... ثم أضافت... لقد كنتِ أفضل معلمة لي في كل حياتي..

كانت من فترة الى أخرى تستلم المعلمة نور مكتوب كهذا...

وأخيرا، وصلها مكتوب جاء فيه: لقد أنهيت علومي الجامعية، وأحببت أن أتقدم أكثر في العلوم، وأود أن أؤكد لك بأنك كنت معلمتي المفضلة... لكن الإسم في آخر المكتوب الآن قد أصبح

د . أبرار لقد أصبحت هذا الفتاة دكتورة مهمة في مجال التعليم .


لكن لم ينتهي الأمر كذلك. فقد إستلمت المعلمة نور رسالة في ذلك الربيع تقول فيها، لقد تقدم لخطبتي رجل صالح أحسبه كذالك ولا أزكيه على الله ... ثم تابعت قائلة ... كنت أتسائل، هل توافقين على الجلوس في المكان المخصص لأم العروس ، على طاولة الشرف؟ لم تتردد المعلمة نور البتة.


لبست تلك الإسوارة التي قدمتها لها منذ صغرها، ووضعت من ذالك العطر التي كانت قد إحتفظت به. وأثناء حفل العرس ضمت تلك الفتاة تلك المعلمة العجوز لصدرها وهي تقول: شكرا يا معلمتي لأنه كان لديك ثقة فيّ وبمقدرتي... لكن تلك المعلمة، والدموع تملء عينيها... أجابتها ... كلا ... يا عزيزتي ... لا تخطئي بقولك هذا... أنت التي علمتني، بأنني أستطيع أن أعمل فــــــرق في حيــــــــاة طفلــــــــة ... لم أكن أدري كيف أُعلّم، حتى التقيتكِ... والــــحــــــمــــــدلله