الخليفة المفترى عليه
هو
أكثر من تعرض تاريخه للتشويه والتزوير من خلفاء الإسلام، مع أنه من أكثر
خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء، وبالرغم من
هذا أشاعوا عنه الأكاذيب وأنه لا هم له سوى الجواري والخمر والسكر، ونسجوا
في ذلك القصص الخرافية
ومن هنا كان إنصاف هذا الخليفة واجب على كل مؤرخ
مسلم.
ومن المؤرخين الذين أنصفوا الرشيد أحمد بن خلكان الذي
قال عنه في كتابه وفيات الأعيان: "كان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج
وجهاد وغزو وشجاعة ورأي"
وكتب التاريخ مليئة بمواقف رائعة
للرشيد في نصرة الحق وحب النصيحة وتقريب العلماء لا ينكرها إلا جاحد أو
مزور، ويكفيه أنه عرف بالخليفة الذي يحج عاما ويغزو عاما.
نسبه ومولده
هو
أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن
علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي،
كان مولده بالري حين كان أبوه
أميرا عليها وعلى خرا سان في سنة ثمان وأربعين ومائة
وأمه أم ولد تسمى
الخيزران وهى أم الهادي وفيها يقول مروان ابن أبى حفصة:
يا خيزران هناك ثم هناك *** أمسى يسوس العالمين ابناك
أغزاه أبوه بلاد الروم وهو حدث في خلافته.
توليه الخلافة
ولي
الخلافة بعهد معقود له بعد الهادي من أبيهما المهدي في ليلة السبت السادس
عشر من ربيع الأول سنة سبعين ومائة بعد الهادي،
قال الصولي: هذه الليلة
ولد له فيها عبد الله المأمون ولم يكن في سائر الزمان
ليلة مات فيها خليفة
وقام خليفة وولد خليفة إلا هذه الليلة وكان يكنى أبا موسى فتكنى بأبي
جعفر.
وكان ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة وله نظر جيد
في الأدب والفقه، قيل إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن
مات لا يتركها إلا لــ علة ويتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم.. قال
الثعالبي في اللطائف قال الصولي خلَّف الرشيد مائة ألف ألف دينار.
وكان
يحب المديح ويجيز الشعراء ويقول الشعر،
أسند عن معاوية بن صالح عن أبيه
قال أول شعر قاله الرشيد
أنه حج سنة ولى الخلافة فدخل دارا فإذا في صدر
بيت منها بيت شعر قد كتب على حائط:
ألا أمير المؤمنين أما ترى *** فديتك هجران الحبيب كبيرا
فدعا بدواة وكتب تحته بخطه:
بلى والهدايا المشعرات وما *** مشى بمكة مرفوع الأظل حسيرا.
ولداود بن رزين الواسطى فيه:
بهارون لاح النور في كل بلدة *** وقام به في عدل سيـرته النهـج
إمـام بـذات الله أصبح شغله *** فأكثر ما يعنى بـه الغزو والحـج
تضيق عيون الخلق عن نور وجهه *** إذا ما بدا للناس منظره البلج
تفسحت الآمال في جود كفه *** فأعطى الذي يرجوه فوق الذي يرجو
وكان يقتفي آثار جده إلا في الحرص.
وقال محمد بن على الخرساني الرشيد أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمى النشاب في البرجاس و أول خليفة لعب بالشطرنج من بنى العباس.
قال
الجاحظ اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه القاضي
أبو
يوسف وشاعره مروان بن أبي حفصة ونديمه العباس بن محمد عم والده
وحاجبه
الفضل بن الربيع أتيه الناس ومغنيه إبراهيم الموصلي وزوجته زبيدة.
حبه للعلماء
وكان
الرشيد يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام،
وقال القاضي
الفاضل في بعض رسائله ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم
إلا للرشيد
فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله.
ولما بلغه موت عبد الله ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الأكابر.
قال
أبو معاوية الضرير ما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الرشيد إلا
قال صلى الله على سيدي ورويت له حديثه
"وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل
ثم أحيىثم أقتل فبكى حتى انتحب"
وعن خرزاذ العابد قال حدث
أبو معاوية الرشيد بحديث احتج آدم وموسى
فقال رجل شريف فأين لقيه فغضب
الرشيد وقال النطع والسيف زنديق يطعن في الحديث
فما زال أبو معاوية يسكنه
ويقول بادرة منه يا أمير المؤمنين حتى سكن.
وعن أبي معاوية الضرير قال صب على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه فقال الرشيد تدري من يصب عليك قلت: لا. قال: أنا إجلالا للعلم.
وكان
العلماء يبادلونه التقدير، روي عن الفضيل بن عياض أنه قال:
ما من نفس تموت
أشد علي موتا من أمير المؤمنين هارون ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره،
قال فكبر ذلك علينا فلما مات هارون وظهرت الفتن وكان من المأمون ما حمل
الناس على القول بخلق القرآن قلنا الشيخ كان أعلم بما تكلم.