[frame="11 98"]



[فقط الأعضاء يستطيعون رؤية هذا المحتوى. ]




[فقط الأعضاء يستطيعون رؤية هذا المحتوى. ]

فناجين قهوة بقلم : ليلى البلوشي

[فقط الأعضاء يستطيعون رؤية هذا المحتوى. ]



" ثرثرات النساء كأنهار جارية لا مصبات لها ! " حتى أني صرت أؤمن بفكرة إحدى زميلاتي بأنه لا داعي لشراء الجرائد ومتابعة الأخبار ، فهن يتمتعن بخبرة واسعة لنقل الخبر وتمحيصه من أفواه عدة ـ أقصد من مصادر عدة ـ فيقمن بدور الناقد والباحث للخبر ، ويقفن موقف القاضي الاستئناف ومحامي الدفاع ، والأهم من ذلك كله أنك ستسمع الخبر وتقرأه من أفواههن ـ مجانا ـ دون أن تضطر جيوبك نقدا ..


استوقفتني أمي عند الممر ، فقد كان باب المجلس المستظل فيه الجارات الفضليات مفتوحا على مصراعيه ، طلبت مني إحضار الضيافة ، فارتفعت الأصوات لاكتفائهن بالقهوة ، رضخت لطلباتهن ، دخلت المطبخ وأنا أشفق على الفناجين المسكينة ، حتما ستمل من ثرثرة النسوة اللاتي لا يعرفن للسكوت بابا ، حملت صينية القهوة وكانت خطواتي مدروسة ما بين البطيئة والحذرة لئلا ينسكب ما في الفناجين ، فيكون فألي بالزواج سيئا ، فأي عمة هذه سترضى بأن تزوج ولدها لامرأة لا تحسن تقديم القهوة !

تنهدت خطواتي حين ولجت رجلاي المجلس واختار جسدي مكانه على اليمين حيث بدأت التقديم ، وتفاجأت حين دخولي بالهدوء المهيمن ، والسائد أن تشارك معظم الألسنة في الحوار هذا إن لم يكن الكل وكأننا في سوق للسمك !


أكملت ربع دورتي مع فناجين القهوة ، واستوقفت الصينية أمام امرأة كانت على ما يبدو المتحدثة ، فكان صوتها مرتفعا جدا وهي تحكي حديثها ، حتى خلت أني أمام شاشة للتلفاز ، عليها بدانة فظيعة ـ سحّ بدنها بالشحم سحّا ـ لا تجد نفسا للهواء والفم المفتوح منظره بشع ، أثارت أسنانها متآكلة قيئي ، وأخيرا اختارت فنجانها من بين الفناجين ، قدمت القهوة للأخرى التي كانت جالسة بمحاذاتها بعد أن أسررت شفقتي على الفنجان السابق لحظه العاثر ، غير أن حديثها يبدو أنه كان مشوقا وهذا ما عبرت عنه وجوه النسوة فكن يستمعن بإصغاء ملفت ، شاخصات الأبصار لوجه المرأة المتحدثة ، ولم أجد بُداً من أن أتباطأ في تدوير فناجين القهوة من بين النسوة حتى يكون لأذني ّ فضول اغتراف جزء من هذا الحديث ، كانت تتحدث عن شاب قرر الهجرة إلى أفغانستان ، كان حديثها منسقا في تنميقه وهي تجول ببصرها بالتساوي بين وجوه الحاضرات ، مع حرصها بتفصيل الحدث والتطويل في تمثيل الواقعة ، فأخذت تتحدث عن شبوبته حتى سالت لعاب أولئك اللاتي فاتهن قطار الزواج ، كنت سعيدة بكثرة عدد الفناجين فلولا ذلك لغادرت من فوري دون أن أتم استماعي لحديث المرأة ، فلم تكن أمي تسمح لي بالجلوس في مجالسهن اعتقادا منها أن أحاديثهن لا تروق لفتاة في مثل سني وكانت ترى بأن الفتاة الحيّية لا يكون لها مكان في هذه المجالس التي تتحدث غالبا عن موضوعات تخص النساء المتزوجات !


فكانت للفناجين فضل في بقائي بينهن ، وفتحت أفواه الحضور فجأة .. قطب الجبين .. غُشي المجلس صمت كصمت الموت، حين أسرت المرأة سبب مغادرة الشاب إلى أفغانستان وهو في ربيعه العشرين، تكهربت ملامحي.. أبلس الوجود في نظري ، فهجرة لم تكن لدافع الجهاد واستعراض البطولات كما أوضحت المرأة السمينة ، بل كان سببه الهروب .. الهروب من الفتاة التي أحبها .. بعد أن أدركت عجزه في أول يوم من زفافها !!


ليلتها لم أستطع النوم ، داعب الليل أجفاني أرقا ، أتقلّب على فراشي العازب في عتمة الغرفة .. ووحشة الوحدة ، دون أن تنمّحى صورة الرجل العاجز والفتاة المسكينة .. تساءل عقلي أسئلة كثيرة ، وصار لسان صوتي يهمس سؤاله الذي لعله لم يخطر ببال أولئك النسوة :
يا تـرى.. أيهما أقسى أن تعيش المرأة مع رجل تشتهيه وهو عاجز عن إشباع شبابها.. أم أن تتقاسم شبابها مع رجل قادر على إشباعها لكنها لا تشتهيه..؟!!
اضطجعت على جنبي ، تلحف ّجسدي السؤال ورحلت الإجابة تبحث عن نفسها في غياهب الأحلام ..

ا . هـ



ليلى البلوشي
كاتبة عمانية مقيمة في دولة الإمارات



[/frame]